بأسلوبك المتقن والمميز تحدثي بإيجاز عن الآثار الإيمانية والتربوية العميقة التي تتركها الصلاة في حياة المسلم مبينةً كيف تعكس على السلوك والروح والطمأ

Eng. Yasser Al-Bahri

Administrator
طاقم الإدارة
تعد الصلاة في الشريعة الإسلامية عماد الدين وأعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين وهي ليست مجرد أداء حركي لطقس تعبدي بل هي جوهر العلاقة التي تربط العبد بخالقه ومصدر القوة الروحية والإيمانية التي تُغذي وجدان الإنسان وتشكل بنية شخصيته الأخلاقية والتربوية والسلوكية

إن الصلاة تمثل أعظم صور التفاعل الروحي العميق بين العبد وربه حيث يقف المسلم خمس مرات في اليوم في حضرة الخالق مستشعر عظمته معترف بربوبيته، خاشع في خضوع تام طالب رحمته ومستمد منه السكينة والهداية.

من الناحية الإيمانية ترسخ الصلاة العقيدة في أعماق النفس وتغذيها بالإيمان الحي فتثمر يقين مطلق لا يتزعزع بوعد الله وتزيد من حضور الشعور بالمراقبة الإلهية مما يدفع بالمسلم إلى التزكية الذاتية المستمرة خشية من الله وطمع في رضاه
هذه الصلة المباشرة مع الله دون وسيط تخلق بداخل الإنسان المؤمن طمأنينة داخلية وسكينة نفسية لأنه يعلم أن ما بينه وبين الله مفتوح لا يغلق وأنه مهما أثقلته الدنيا بهمومها فإن بابه إلى السماء لا يغلق وملجأه في السجود لا يسد وهنا تصبح الصلاة بمثابة تجديد للعهد بين الإنسان وربه وتطهير للقلب من أدران الحياة ومعين دائم على الثبات أمام مغريات الدنيا وشهواتها.

أما من الجانب التربوي، فالصلاة تعد نظام تربوي متكامل يهذب سلوك الإنسان ويضبط انفعالاته وينمي لديه الانضباط الذاتي والالتزام السلوكي إذ أن أداء الصلاة في أوقاتها المحددة يعلم المسلم احترام الوقت، والشعور بالمسؤولية تجاه أوامر الله كما أن الطهارة المصاحبة للصلاة تربي الإنسان على النظافة الظاهرة والباطنة، فقبل أن يواجه ربه، يطهر بدنه وثيابه ونيته، مما ينعكس على نقاء جوارحه وطهارة ضميره.

ولأن المسلم في صلاته يخاطب ربه بكلمات ربانية ويتلو كتابه ويتأدب في حضرته فإن هذا يعلم الأدب الجم ويعزز التواضع وينمي في النفس الشعور بالعظمة الإلهية والضعف البشري وهو ما يعد غاية في التزكية الأخلاقية والتأهيل الروحي.

والأثر السلوكي لهذا المنهج التعبدي يظهر جلي في حياة الفرد حيث يصبح المسلم المتعلق بالصلاة أكثر هدوء واتزان وأقل اندفاع نحو الفتن أو السلوكيات السلبية لأنه يتزود بخطاب إلهي يومي يذكره بالغرض من حياته ويحفزه على السير في طريق الخير.
كما أن تكرار الصلاة خمس مرات يوميا يجعلها بمثابة وقفات متكررة للمراجعة الذاتية والتقويم السلوكي فتعيد الإنسان إلى فطرته السليمة وتمنحه الفرصة للتوبة ومحاسبة النفس وتدارك الأخطاء.

وبعد هذا كله، تثمر الصلاة شخصية متزنة وجدانيا مطمئنة روحيا متصالحة داخليا تنعم بالسلام النفسي وتتسامى عن التوتر والقلق لأن صاحبها واثق أن له رب يسمعه ويجبر كسره ويغفر زلته ويهدي قلبه ويفرج كربه
هذه الشخصية تصبح قادرة على التعامل مع ضغوط الحياة بعين الإيمان وقلب مطمئن وسلوك راق وتساهم في بناء مجتمع متحاب متماسك أساسه الإيمان وقوامه الصلاة ومبدؤه التقوى والخشية من الله.


 
عودة
أعلى